التهدئة في غزة.. «بارقة أمل» يعززها تدفق المساعدات العربية
التهدئة في غزة.. «بارقة أمل» يعززها تدفق المساعدات العربية
جاء اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، بأمل جديد لشعب فلسطين في العودة للحياة والانطلاق مجددا نحو بناء حياة مستقرة ومستقبل أفضل للأجيال القادمة، ولكن قبل كل هذا لا بد أن يستقبل القطاع المحروم منذ نحو 15 شهرا من الغذاء والكساء والدواء، جراء الحصار الخانق الذي فرضه الجيش الإسرائيلي خلال الحرب، ومع توقفها بدأت المساعدات العربية تدخل إلى القطاع بكثافة للتخفيف عن الفلسطينيين من الآثار الكارثية للحرب.
وبعد انتظار دام أكثر من شهرين، حصل عبد المجيد شراب (42 عامًا) أخيرًا على حصة غذائية من إحدى نقاط توزيع المساعدات الإنسانية بمنطقة المواصي غرب مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، بعد زيادة تدفق المساعدات منذ بداية وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية.
وكان شراب الذي يعول 6 من أفراد عائلته، يعمل بتجارة مواد البناء، لكن ظروف الحرب أفقدته عمله، ولم يجد طيلة الفترة السابقة أي مصدر للغذاء سوى بعض المعلبات التي ادخرها وشارفت على النفاد.
وقال الأب المفجوع باستشهاد ابنه وهدم منزله، إنه عانى من شح الغذاء والماء والدواء طيلة فترة نزوحه بمنطقة المواصي، بينما كانت المؤسسات الإغاثية تقدّم القليل من الطرود الغذائية للسكان؛ نظرًا لإغلاق المعابر من الاحتلال لفترات طويلة وتشديد القيود على فتحها.
وأضاف شراب في حديثه لـ"جسور بوست"، أن تزايد وصول المساعدات الإنسانية ساهم في انخفاض الأسعار بشكل ملحوظ في الأسواق، واستطاع الناس تذوق الخضار وبعض اللحوم بعد أن غاب عنهم شهورًا عديدة.
ذات الحال عانت منها السيدة الفلسطينية أم حسنات عاشور (48 عامًا) التي استطاعت شراء ما تحتاج إليه أخيرًا من المواد التموينية، بينما وفّرت لعائلتها عبر إحدى المؤسسات الخيرية مواد التنظيف التي انقطعت لفترة طويلة، "وبات الحصول على طرد المنظفات أمرًا صعب المنال"، بحسب قولها.
وتأمل السيدة الفلسطينية في حديثها لمراسل "جسور بوست" أن يستمر تدفق المساعدات وأن يسير اتفاق وقف إطلاق النار بكامل مراحله أملاً في إغاثة النازحين وتسهيل عودتهم إلى مناطقهم والبدء في إزالة الركام وإعادة الإعمار.
استمرار تدفق المساعدات
وتبدو الأوضاع في القطاع أفضل حالاً بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، مع استمرار تدفق الشاحنات وزيادة كميتها ما انعكس إيجابًا على توفر السلع والبضائع في الأسواق التي شهدت خلال أيام الحرب الطويلة كسادًا ملحوظًا.
ورغم التفاؤل المشوب بالحذر، فقد ألقى توفر المساعدات بظلاله الإيجابية على مختلف الفئات الهشة والفقيرة، حيث استطاعت توفير ما تيسر من الأساسيات والاحتياجات والأدوية المنقذة للحياة والمكملات الغذائية وحليب الأطفال.
تروي الفتاة إسلام أبو ماضي (35 عامًا) معاناتها السابقة مع انقطاع الحليب الصناعي اللازم لطفلها الذي يعاني من "حساسية بروتين الحليب"، وبحاجة إلى نوع حليب معين انقطع لعدة مرات، ولم يتوفر سوى بكميات شحيحة وأسعار باهظة، "ومع الانفراجة التي حصلت مؤخرًا في زيادة المساعدات استطعت توفيره عبر نقطة طبية لرعاية الأمهات المرضعات" تضيف أبو ماضي لـ"جسور بوست".
معاناة من سوء التغذية
بدموع الفرحة، أمسكت الأم بعلب الحليب المخصصة لها، مستذكرة ما كانت تعانيه يوميًا جراء استخدام أنواع تجارية تقليدية مما عرض ابنها لحالات حساسية وقيء متكرر، أصابه بسوء التغذية الحاد الذي عرضه لنقص المناعة والهُزال الشديد.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إن كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية تواصل دخول غزة عبر معبري إيريز (بيت حانون) وزيكيم في الشمال ومعبر كرم أبو سالم في الجنوب.
وأضاف المكتب في بيان أن شحنات المساعدات والعاملين في المجال الإنساني يصلون إلى مناطق كان من الصعب الوصول إليها في السابق. وأفاد شركاء الأمم المتحدة الإنسانيون على الأرض بأن بيئة العمل تحسنت بشكل كبير.
حاجات مُلحة
من جانبه، أكد الباحث في مركز الميزان لحقوق الإنسان بغزة، حسين حمّاد، أن واقع قطاع غزة يحتاج لمزيد من المساعدات الإنسانية العاجلة، وأن كل ما يعبر حتى اللحظة هو نقطة في بحر احتياج المجتمع بعد الحرب الضارية.
وشدّد حماد، في تصريحات لـ"جسور بوست"، على ضرورة تنظيم نوعية المساعدات بما تشمل الأولويات التي يحتاج إليها السكان، من مواد أساسية وتموينية وخيام ومنازل مؤقتة، وكذلك توفير أجهزة ومنظومات الطاقة البديلة ومستلزماتها كون القطاع يغرق في الظلام منذ بدء الحرب.
أما مدير مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان بغزة علاء السكافي، فأكد أن وقف العدوان على غزة ودخول المساعدات العربية، عمل على تخفيف آثار المجاعة والأوضاع الكارثية والإنسانية، وأصبح بمقدور المؤسسات الدولية والأهلية توزيع المساعدات للسكان بقدر أفضل من ذي قبل.
وأوضح السكافي خلال حديثه لـ"جسور بوست" أن وقف الإبادة الجماعية يتطلب أيضًا الاستمرار في فتح المعابر لزيادة دخول المواد الغذائية، ووصولها لجميع المواطنين وخاصة بعد أن تم تدمير البنية التحتية والفوقية وتدمير مقومات الحياة في معظم مناطق قطاع غزة.
وشدد الحقوقي الفلسطيني على أهمية الجهود العربية والدولية في توفير المواد الغذائية للسكان في قطاع غزة، بما فيها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
جهود عربية حثيثة
من جهته، أشاد مدير المكتب الإعلامي لعملية الفارس الشهم في قطاع غزة، شريف النيرب، بالجهود العربية وبخاصة جهود دولة الإمارات في تنظيم القوافل الإغاثية التي عبرت إلى داخل القطاع منذ بداية الحرب وازدادت وتيرتها بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.
وثمّن النيرب في حديثه لـ"جسور بوست" موقف دولة الإمارات العربية المتحدة شعبًا وحكومة، وكذلك موقف مصر المساند للقضية الفلسطينية على مدار تاريخها، قائلا إنها "كلها محل تقدير واعتزاز"، لافتا إلى أن تلك الجهود تعزز صمود الشعب الفلسطيني وبقاءه على أرضه، ومواجهة كل المخاطر ومعالجة الآثار الناجمة عن الحرب المُدمّرة.
واستعرض النيرب القطاعات الإغاثية التي قدمتها دولة الإمارات عبر عملية الفارس الشهم للنازحين والسكان والفئات المتضررة من الحرب، عبر إطلاق جسر إغاثي منذ بداية الحرب، ومنها دعم القطاع الصحي، وتوفير المياه الصالحة للشرب، وتقديم الطرود الغذائية والطرود الصحية، والطرود الخاصة بالمرأة والطفل، وإصلاحات شبكات الصرف الصحي، وتوفير الخيام، ودعم المخابز والتكايا الخيرية وغيره.
وأعرب النيرب عن أمله في أن يستمر تدفق المزيد من المساعدات عبر المعابر الحدودية وخاصة معبر رفح، للمساهمة في توفير الاحتياجات الضرورية وإغاثة السكان ودعم القطاعات الحيوية، ومنها الطبية والتعليمية التي تضررت بصورة بالغة مما خلّفته الحرب.
جهود إغاثية متواصلة
أما عضو التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي بمصر، غادة البهنساوي، فأكدت استمرار جهود الإغاثة المصرية منذ بداية الحرب عبر منظمات المجتمع المدني المصري ومؤسسات العمل الأهلي.
ولفتت البهنساوي، خلال حديثها لـ"جسور بوست" إلى أن التحالف الذي يضم أكثر من 36 جمعية ومؤسسة رائدة في العمل المجتمعي، عمل على تسييّر قوافل الشاحنات التي احتوت على الإمدادات الإنسانية وشملت المساعدات الغذائية والطبية والملابس وكل الاحتياجات للشعب الفلسطيني عبر بوابة معبر رفح بالتعاون مع الهلال الأحمر المصري ونظيره الفلسطيني.
وأوضحت الناشطة المجتمعية أن التحالف استطاع عقب إبرام اتفاق وقف إطلاق النار تسيير القافلة التاسعة التي تضم أكثر من 300 شاحنة احتوت على أكثر من 3 آلاف طن من الإمدادات الإغاثية، مؤكدة في ذات الوقت استمرار جهودهم للتخفيف من حدة الكارثة الإنسانية التي أعقبت الحرب.
وفي ذات السياق، أشار مدير دائرة المشاريع في مؤسسة وفاء المحسنين الخيرية، حامد الأسطل، إلى الدور المحوري لسلطنة عُمان عبر صندوق الوقف العُماني في دعم البرامج والمشاريع الحيوية بقطاع غزة خلال فترة الحرب وما أعقبها من فترة التهدئة.
وإلى جانب إنشاء وتجهيز أكبر مدرسة تعليمية في مخيمات النزوح كان لسلطنة عُمان، بحسب حديث الأسطل لـ"جسور بوست"، جهودًا حثيثة في تلبية الاحتياجات الأساسية من توفير الطعام من خلال مشروع التكية وتقديم الوجبات الغذائية وتوزيع الطرود الغذائية والصحية وسلال الخضار وتوزيع المياه العذبة على المخيمات والنازحين.
ولفت المدير بالمؤسسة إلى أهمية الدعم القطري ممثلاً بالهلال الأحمر القطري ومؤسسة قطر الخيرية في توفير الخيام وتجهيز مراكز الإيواء ودعمها بكل اللوجستيات المطلوبة، معربًا عن تقديره لكل الجهود العربية في هذا الصدد.
تحرك أُمميّ
وإلى جانب الجهود العربية، جاء التحرك الأممي والدولي على نطاق أوسع، حيث أكدت مديرة الإعلام بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في قطاع غزة، إيناس حمدان، أن الوكالة نجحت خلال الأيام الثلاثة الأولى لوقف إطلاق النار في جلب المساعدات الغذائية لمليون شخص، كما نجحت الفرق في توزيعها على نحو 300 ألف شخص، بمن فيهم السكان في شمال قطاع غزة.
واعتبرت حمدان في حديث لـ"جسور بوست" أن وقف إطلاق النار بمثابة نافذة أمل سيسمح للوكالة الأممية بإحضار الإمدادات الأساسية العالقة منذ أشهر في جميع أنحاء المنطقة، بما فيها المواد الغذائية ومستلزمات الشتاء وترتيبات الإيواء.